بقلم / أحلام الكثيري
“الجغرافيا صنع الله في الأرض، ومن خلاله كان التاريخ متدفقًا عبر الزمن” وضاح خنفر،،
“الجغرافيا صنع الله في الأرض، ومن خلاله كان التاريخ متدفقًا عبر الزمن “، وما بين قوى كبرى وأخرى أقل قوة وإمكانيات أقل، كان لها دور في توازن القوى للدول قديما وحديثا، وحيث قال المالك عز وجل (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، كانت ولازالت من سنن التداول بين الدول كأرض وجغرافيا عبر الأمم الإنسانية وبين التاريخ والحضارات كزمان.
وعليه فثمة أسئلة كانت ولا زالت تتبادر إلى ذهني بشكل مستمر قبل كتابتي لهذا المقال، مع كل حدث يحدث في حضرموت واليمن، وأحاول أن أضعها في سياق الربط بين الأحداث التاريخية السياسية والواقع السياسي والاجتماعي في الوقت الحاضر، كنوع من الربط بين الجغرافيا والإنسان والتاريخ عبر الزمن، كعلاقة ديناميكية كونية متأصلة لا يمكن الانفكاك عنها، لاستمرار بقاء هذا التدفق الحضاري الإنساني، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فكيف يمكن لنا أن نفكر كشعوب بسنن وقوى الله في الأرض بمسؤولية إنسانية وأخلاقية دينية؟، في زمن ظهرت فيه الصراعات والنزاعات المسلحة عبر الأزمنة والتي تؤثر بشكل أو بأخر بالشعب الحضرمي والشعب اليمني في هذه الجغرافيا اليمانية، وكيف يمكن لنا فهم السيناريوهات الممكنة القادمة منها وغير الممكنة؟، وكيف لنا فهم الأحداث والمتغيرات السياسية الدولية والإقليمية ومدى تأثيرها السياسي والاقتصادي والأمني في اليمن وحضرموت بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام والتي تسيطر على أهم ممرات الملاحة البحرية والاقتصادية الدولية للأمن العالمي ، وما علاقته في بنية رسم خارطة العالم، للنظام العالمي الجديد، والذي يعيد تشكيله بعد قرن من الزمان منذ العام ١٩٢٤ للميلاد؟
نحتاج أن نفهم أولا أدبيات النظام العالمي والذي “تتضمن أدبيات السياسية في التعامل مع دول العالم الثالث، كدول خاضعة للاستعمار بصفته الفاعل المفعول به في التفاعلات الدولية ، بالتركيز على جذور الأزمة الاقتصادية بمعزل عن إبراز الهوية الثقافية والدينية لتلك الدول”، وحيث برزت المنافسة بعد الحرب العالمية الثانية بين القوتين الأوروبية والاتحاد السوفيتي، في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق أسيا، وظهور عصبة الأمم المتحدة كقائد للنظام الدولي، عبر المنظمات الدولية ، كنظام لحفظ السلام والأمن الدولي، عبر مجموعه 77 ومؤتمرات UNIC D A , والذي يغيب عنه المعيار الإسلامي، والذي يرتكز على النظام لدولي لكل الدول، وبخاصة الدول النامية بحسب رؤيتها الغربية “أنها تعاني من مشكلة بناء الأمة ، وهشاشة البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والذي يعيق تجارب الاندماج بين الدول التي تشترك معها في خبرة الكفاح من أجل الاستقلال السياسي، وتخلصها من التبعية الاقتصادية، وذلك بالسعي في البحث عن الأمن النقدي والنظام التجاري والأمن الصحي و الغذائي”.
نظرية ماكندر:
من يتحكم في قلب العالم ” شرق أوروبا” سيتحكم في جزيرة العالم، القارات “أوروبا وأسيا وأفريقيا”
بينهما تقع المنطقة العربية ما بين نهر عظيم “شرقا الفرات ونهر النيل غربا” وبينهما بحر عظيم” البحر الأحمر”
من المعروف تاريخيا أن “ما بين القرن الأول والرابع ق.م، حيث نشأت الممالك القديمة والتي تشكلت في جنوب الجزيرة العربية، فقد وجدت علاقة خاصة ما بين مملكة معين ومملكة حضرموت، ومنه تشكل الحلف التجاري والذي ربط بين سكان حضرموت والجوف قديما وحديثًا، وقد سيطروا على تجارة اللبان والبخور، فكانت مملكة حضرموت كمنتجة للبان وتتحكم به بحكم موقعها الاستراتيجي البري والساحلي، ومملكة معين عبر مدينة الجوف، كان بيدها مقاليد الطريق التجاري نحو الشمال”، وهنا تكمن تكامل العلاقة التجارية بين المملكتين، فلماذا توقفت هذه العلاقة ومتى وكيف ولماذا؟، وماذا لو استمرت حتى وقتنا الحاضر ونحن في القرن الواحد والعشرين، وهل يمكن أن تعود ، وبشكل أكثر اتساعًا عبر مشروع النظام الدولي الجديد ” مشروع الحزام والطريق” ؟
لم يكن الصراع في اليمن وليد اللحظة بل كان مستمرا منذ ما قبل عهد المملكة المتوكلية اليمنية، فترة الاستعمار الغربي والتركي حينها، ووجود السلطنات الجنوبية المجاورة لها من جهة و السلطنات في حضرموت سلطنة الكثيري وسلطنة الواحدي وسلطنة المهرة من جهة أخرى، فضل الصراع ما بين المملكة المتوكلة والسلطنات الجنوبية صراع داعم ، مع نوع من التحالفات البينية ضد السلطنات في حضرموت و عمان، حتى جاء الاستعمار البريطاني وجعل من السلطنات الجنوبية وعدن كمستعمرات بريطانية بمسمى محمية عدن، وكانت هناك اتفاقية حماية بين بريطانيا وسلاطين السلطات الحضرمية الكثيرية و المهرية و القعيطية كحماية بريطانية تحت مسمى محمية عدن الشرقية لا كمحميات مستعمرة مثل محميات عدن الجنوبية .
فماذا لو تغيرت أحداث التاريخ السياسي ودور النظام العالمي في رسم الخارطة الجغرافيا لكل من جغرافيا حضرموت وجغرافيا اليمن، فبدلا من اسقاط السلطنات الحضرمية وضمها قسرا، باتفاقية عام 1979 بتسليمها للجبهة القومية اليمنية، لضمها الى مستعمرة عدن تحت مسمى “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) وفي عام 1970 سميت بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وكانت الدولة الشيوعية الوحيدة في العالم العربي كثغرة فكرية لا تتناسب مع التركيبية السيكولوجية للفكر الثقافي والديني الذي لا يمكن التوائم معه بشكل طارئ وربما قد أحدث نوع من الصدام الثقافي في تلك المرحلة الزمنية. ومن ثم تشكلت الوحدة اليمنية في 1990. بحيث أصبحت حضرموت دولة اتحادية ” بأربع ولايات تشمل كلا “حضرموت والمهرة وسقطرى وشبوة “، بمعزل عن اليمن، ألم يكن حينها الممر البحري والدولي أكثر أمانًا واستقراراً، بدءً من الشريط الساحلي الحضرمي في بحر العرب حتى خليج عدن و باب المندب الذي يعد الممر الدولي الاقتصادي الذي يربط بين أسيا وأفريقيا وأوروبا، وتكون حينها قد تحققت من رؤية النظام العالمي، والذي يتبنى حسب سياسته الدولية أهمية الأمن النقدي والنظام التجاري والأمن الصحي و الغذائي” لجميع الدول.
ولكن ما حدث هو العكس بحيث تجذر وتفاقم الصراع السياسي وانعكس على انعدام الأمن الغذائي، النقدي، الاقتصادي والصحي، والذي تشهده مؤسسات الدولة في الجغرافيا اليمانية لأكثر من خمسة عقود.
فهل النظام العالمي الجديد الذي ظهر خلال قرن من الزمان يسيطر على الاقتصاد العالمي ، والذي من أهم أهدافه إعادة تشكيل ورسم خارطة جغرافيا العالم، وكمثال حي بحيث يتم تقسيم الدول في الشرق الأوسط إلى دولة متعددة الأقاليم بحيث يتم إعادة تشكيل الخرائط الجغرافية للدول بتفكيكها وإعادة تركيبها ليسهل التحكم و السيطرة عليها أمنيا واقتصاديا وعسكريًا ، منها اليمن التي تشهد صراعًا سياسيًا وأمنيا واقتصاديا في ثلث المناطق الشمالية منه، والتي يسيطر عليها الانقلاب الحوثي الذي يهدد الأمن في المنطقة، كقوة مسلحة متطرفة تدعي مساندة القضية الفلسطينية بينما هي أداة وظيفية مفعول به ، تساهم في اتساع دائرة الحروب في المنطقة العربية، بصراع ديني شكلا بينما هو صراع سيطرة وتوسع دائرة نفود عالمي لعدة دول كبرى إقليمية ودولية، بغية الانفكاك من نظام القطب الواحد إلى نظام متعدد الأقطاب، بينما المتغيرات الجيوستراتيجية، وحسب المحللين السياسيين الدوليين الذين يشيرون إلى حرب عالمية ثالثة تلوح بالمنطقة، أم ستتخطى اليمن وحضرموت هذه المرحلة وتكسر حاجز الصراع السياسي اليمني الداخلي، والوصول إلى تسوية سياسية بين جميع الأطراف السياسية التي تتنازع على الحكم، بحيث تكون اليمن بجميع أقاليمها الشمالية والجنوبية منها أقاليم متكاملة اقتصاديا و تنمويا مع الأقاليم في حضرموت ، فقد أثبتت الأحداث التاريخية أن الهوية السياسية، هوية غير جامعة ، وأن تشكل الهوية الوطنية قائم على تجانس الهوية المجتمعية المتجانسة ثقافيًا وسيكلوجيا، وأنه لا يمكن الجمع بين النقيضين للالتقاء في دولة مركزية واحدة ، بل يمكن الجمع بينهما للتكامل الاقتصادي و الثقافي والتنموي في دولة لا مركزية قائمة على الحكم الذاتي والسيادي و حق تقرير المصير عبر مسمى إقليم مستقل بذاته أو دولة مستقلة بذاتها . فالصراع الدائر في اليمن لن ينتج إلا شعبين أكثر هشاشة، وبسبب استفحال الفساد وضيق العيش قد تدخل تحت منظومة التوحش اللاإنساني واللاأخلاقي واللا ديني، لا قدر الله !!
ومن حكمة الله في خلق الكون بعدم التقاء القمر والشمس ملتصقان معاً، كنقيضان مكملان لدورة الحياة الطبيعية في الأرض، وأن التقائهما معًا تعني قيام الساعة!!
الاقتباسات:
- كتاب الإله سين في ديانة حضرموت القديمة.
- مقولة لـلكاتب وضاح خنفر.
- كتاب وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في اعقاب سقوط الخلافة العثمانية.
مقال جميل جدا يستحق القراء والوقوف بين مفرداته وفهم عميق لمجرياته اشكرا فقد اخترتي فأجدتي فابدعتي
حياك الله. استاد حسن .. اسعدني ان المقال قد نال اعجابكم ..، واتمنى ان يقرأه الجميع بذات الوعي الذي وشى به تعليقك .. لو كانت حضرموت منفصلة عن اليمن لكان هناك تقدم اقتصادي بين البلدين ، لكن اتمنى ان يتم استيعاب هذا الفكر من الجميع كشوب و أحزاب .. وتكون حضرموت و اليمن مكملتان لبعضهما البعض
كل التحايا و التقدير